كيف نتعامل مع بغداد؟
عماد احمد
لقد عرض الاتحاد الوطني الكوردستاني في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي، حق تقرير المصير لحل مسألة كوردستان، والذي جعله بعد الانتفاضة حق تقرير المصير في اطار العراق ولكن برغم ذلك كان يدرك ان تطبيق هذا الشعار من الناحية القانونية مرتبط ابدا بالظروف الموضوعية والذاتية، وبمراعاة توازن القوى وعوامل اخرى بلاشك.
ان حل القضية الكوردية في جنوبي كوردستان بدأ بمطالب اللامركزية فالحكم الذاتي ثم الحكم الذاتي الحقيقي ليصل بعد الانتفاضة وتشكيل البرلمان والحكومة الى الفدرالية، التي اعلنت عنها من جهة واحدة، ليتقدم مسألة كوردستان بشكل ملحوظ لبلورة تطبيق حق تقرير المصير وليدخل مرحلة جديدة ومختلفة.
الفيدرالية وفي ابسط تعريفاتها انها عبارة عن توزيع الصلاحيات الادارية والمالية وتحديد الحدود فيما بين حكومة المركز والاقاليم، وان هذا التوزيع والتعايش ينظمهما الدستور، بمعنى ان الفدرالية لا وجود لها من دون الديمقراطية، وبالنتيجة ان من شروط الفدرالية، وجود نظام سياسي ديمقراطي.
مما لاشك فيه ان الفدرالية لها مختلف الانواع والنماذج، فهناك فدرالية وفق الاسس القومية والدينية والمذهبية، او وفق الاسس الادارية، بيـد ان من بين كل هذه النماذج هناك صفة رئيسية وهي توزيع الصلاحيات وكيفية تعايش تلك المكونات في اطار ذلك الجسد، وهو امر حساس ومشترك ومهم.
ان اعقد صيغ الفدرالية بحسب مااظهرتها تجارب الفدرالية هي الفدرالية على اساس القومية، عندما تقرر هويتان او قوميتان او اكثر العمل معا ضمن اطار محدد.
ومن هنا يبدو جليا ان التجربة الديمقراطية والفدرالية في العراق حديثة ولها خصوصياتها وصفاتها التي تميزها عن الاخريات، ونستطيع القول اكثر ان طبيعة الظروف السياسية وعملية الحكم في العراق لاتسمح بتثبيت واستقرار الفدرالية في هذا البلد بسهولة ويسر وخلال وقت قصير.
ان جذور فدراليتنا لاتعود فقط الى زمن اسقاط الدكتاتورية في العراق عام 2003، بل ان الامر يعود الى ما آلت اليه الامور بعد انتفاضة آذار من عام 1991 حين تمكن الكورد ولاول مرة من تأسيس ادارة شبه مستقلة وكسب دعم المجتمع الدولي، الامر الذي تحول الى بوابة لاحداث تغييرات جوهرية لبناء العراق الجديد عام 2003، اقصد الانتفاضة والهجرة المليونية ومنطقة حظر الطيران ولاحقا ادى اصدار القرار رقم 986 من الامم المتحدة الى ان يخلق الكورد كيانا مختلفا عن النظام البعثي في ذلك الوقت والذي صار اساسا لتحديد نسبة 17٪ لاقليم كوردستان في قرار النفط مقابل الغذاء والدواء.
لقد وقعنا بعد سقوط نظام صدام في وضع مختلف كليا، فقد كنا العامل الرئيسي في اسقاط ذلك النظام، توجهنا الى بغداد بقوة ومكانة معتبرة، وفي النهاية ثبتنا النظام الفدرالي في الدستور واصبح الاقليم كيانا دستوريا معترفا من قبل العراق، لكن عمليا بزر عدد من المشاكل والصعوبات منها :
– من ناحية المصلحة الاستراتيجية، نحن كورد وجزء من كوردستان الكبرى، وعرب العراق جزء من القومية العربية.
– نظرا لعدم مشاركة العرب السنة حينها في العملية السياسية، فقد ملأ الكورد والشيعية الفراغ الذي احدثوه وبدا الامر وكاننا اقوياء ومكانتنا متينة، في حين تعرضنا وقت تنفيذه الى المشاكل والنواقص، فمثلا احسسنا احيانا بان لنا حقوق ولا واجبات علينا، فقد تم النظر الينا حتى الفترة الاخيرة كعامل للهدر والاستيلاء على حصص وواردات المناطق الاخرى من العراق.
-وجانب اخر من المشكلة هو اننا اشتركتا في عام 2005 في كتابة الدستور وكنا جزءا رئيسيا في اقراره، لكن في الواقع ان هناك العديد من المواد الدستورية المتعلقة بالفدرالية بحاجة الى التنظيم عبر تشريعات واضحة، في الحقيقية اننا همشنا ذلك والقوانين التي كانت مهمة للتشريع لم تشرع ابدا، ما حدا بالتحليل السياسي ان يحل محل التفسيرات القانونية والدستورية وادى بالنتيجة الى تعقيد المشاكل اكثر.
لربما كان السؤال الرئيس هو لماذا لم تظهر الازمات بقوة وثقل كما هي الان؟ وبالرغم مما ذكر آنفا من دور التدخلات الخارجية والاقليمية بشكل مباشر او غير مباشر لتخريب وافشال الفدرالية في العراق خوفا من مشاكلهم الداخلية والقومية، فان السبب الاخر هو اختلال توازن القوة فيما بين المركز والإقليم ومال لصالح المركز.
نرى ان سببا اخرا في ذلك هو تواجد جيل سياسي اصيل في الساحة، اذ كانوا معارضين ومهندسي اسقاط البعث، يملكون خبرات وعمق تأريخي وادراك سياسي مطلوب، كمام جلال، والسيد مسعود بارزاني، والسيد نوشيروان مصطفى، ومحمد باقر الحكيم، ومحمد بحر العلوم، واحمد الجلبي وعدنان الباجةجي واياد علاوي ونصير الجادرجي…. والى اخره، هؤلاء بالرغم من الخبرة والمؤهل، كان يجمعهم نضال وذكريات تأريخية، تكاد اليوم ان تمحى، ولهذا فمن الضروري التعامل مع العراق في ضوء هذا الواقع الجديد، ان نحدد بوضوح مالنا وماعلينا، ولاجل ذلك فان اعادة تنظيم بيتنا من الداخل شرط مسبق لما ينتظرنا من المهام والضرورات، ان نقلل مساحة الفراغ بين السلطة والشعب، ان نفتح في كوردستان الباب للمشاركة السياسية والاجتماعية الحقيقية، لا يصح ان نطالب في بغداد بالتوافق والاتفاق وتجاوز الازمات، وان نسير هنا في كوردستان بعكس تلك المطالب، وهناك نقطة مهمة اخرى وهي وجود فراغ بين الكورد والشارع العربي لاسيما الشارع الشيعي، لابد من ردم هذا الفراغ ونحدد النقاط المشتركة كما كنا نفعل في الماضي، والعمل على تاجيل جزء من المشاكل الى وقت اخر لحين ايجاد ارضية مناسبة لحلها.
ولذلك من الضروري على الكورد الاصرار على التوافق والشراكة والمصلحة المشتركة والشفافية في ملف النفط والغاز وجعله منسجما مع الدستور وتعزيز وتقوية بيته من الداخل، وهذا هو الطريق الوحيد لبقاء وجودنا وعزتنا في العراق وكوردستان.